بقلم: غادة بوشحيط
رغم الأحداث الكثيرة والمتسارعة، والتي يضبط إيقاعها – ككل أسبوع – منذ أن عاد «الرجل البرتقالي»، إلا أن «حمى الخوارزميات» قد استعرت جغرافيا بين الجزائر وفرنسا خلال الأيام الأخيرة، لا في مواجهة مكرورة بل في قطيعة، مرتبطة عضويا.
«اللوفر»
أيام كثيرة بعد عملية السطو الغريبة على متحف «اللوفر» صباح عطلة نهاية أسبوع، ما زالت القضية تثير الكثير من الجدل داخل فرنسا وخارجها. أهمية المتحف بمحتوياته المميزة، وموقعه على خريطة السياحة العالمية، ضاعف ذهول المتابعين لمستجدات سرقة القرن بجد، أثارت سخرية البعض، مخيال آخرين، كما فتحت بابا إضافيا أمام الأصوات المتطرفة.
لم يتوقع الفرنسيون – ولا غيرهم في المناسبة – أن تكون نظم حراسة معبد «الأنتيكات» الوطنية بهذه البدائية، السطو على مجموعة من مجوهرات «التاج الفرنسي» التي تعود لعدة ملوك وأباطرة صنعوا تاريخ البلد في سبع دقائق من قبل مجموعة أشرار على متن دراجة نارية، في وضح النهار وأمام سيل من السياح نسفت ثقة كثر في أنظمة الأمان الوطنية.
على مواقع التواصل الاجتماعي تفاعل سياسيون، فنانون، صحافيون ومواطنون عاديون «يريدون أن يقنعونا أن أصغر محل مجوهرات في أصغر مدينة في منطقة باريس أكثر أمنا من متحفنا الوطني؟»! «كنت أعتقد أنها محفوظة بأنظمة حماية معقدة»، «لم يكتف اللصوص بالسرقة، بل سخروا من الفرنسيين جميعهم»! تعليقات أمكن مطالعتها على مواقع التواصل الاجتماعي.
مشاهير فرنسيون أعربوا عن غضبهم وحزنهم. ستيفان برن مثلا، وهو من أشهر الإعلاميين المختصين بتاريخ أوروبا وفرنسا تحديدا، مولع بتاريخ الملكيات وسيرها، عبر عن غضبه الشديد، هو الذي لم تخلفه وسيلة إعلام يتيمة في البلد لأخذ انطباعاته: «لقد سرقوا ذكريات الفرنسيين وتاريخهم» كرر.
أما جوليان كوهين تاجر الأنتيكات ونجم التلفزيون الفرنسي فقد ظهر في لقاء مباشر، وهو يبكي بحرقة مطالبا باستعادة المجوهرات بسرعة، مؤكدا: «لا قيمة اليوم للحجر الذي يزين هذه المجوهرات، قيمتها الحقيقية في رمزيتها، اللصوص لا يعون ذلك».
في الوقت الذي اكتفى فيه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالحديث عن ضرورة استعادة المسروقات ومحاسبة الفاعلين أمام العدالة، وجد السياسيون الفرنسيون فرصة أثمن من «المجوهرات الملكية» بذاتها لـ»الركمجة» على الأحداث. أولى الضحايا كانت وزيرة الثقافة ذات الأصول المغربية رشيدة داتي، التي وجهت لها تهم بالتورط غير المباشر في القضية، هي التي وافقت منذ مدة قصيرة على تعيين مؤسسة خاصة لضمان حماية المتحف، بالإضافة إلى الواقع الهش للمتاحف الفرنسية التي تسير بأقل عدد من العمال. السياسية التي تخوض حربا شرسة ضد غرماء كثر لأجل اعتلاء منصب رئيس بلدية باريس، دافعت عن نفسها بأنها «ورثت وضعا صعبا عليها أن تتعامل معه، ولا تتحمل مسؤوليته».
أصول المشتبه فيهم الإفريقية الشمالية والسواحلية أتت لتمنح نقاطا لعتاة اليمين في البلد الذين وجدوا في القبض على اثنين من المشتبه فيهم أحدهما متجه نحو الجزائر – حسب ما روجت له وسائل إعلام في البلد – فرصة جديدة لتثبت وجهة نظرها حول مساوئ الهجرة.
مواقف سرعان ما تردد صداها على مواقع التواصل الاجتماعي: «ماذا كنتم تنتظرون؟ من غير العربي والأسود قادرون على فعل أمر مشابه؟»، «الجزائر طبعا»، « متوجه إلى الجزائر… يا لها من صدفة»!
لكن الاستفادة سرعان ما اتسعت رقعتها، حتى أن صاحب علامة «بوكر» الألمانية التي أنتجت الشاحنة ذات السلالم الآلية التي استخدمها اللصوص في سرقة المتحف الفرنسي، وظف العملية في إعلان ترويجي لمصنعه بشعارين:«بفضل محرك صامت كهمسة»، و«…حين يجب فعلها بسرعة»!
بساطة الفعل وهول الأثر جعل من الحادثة مادة للسخرية العابرة للقارات. جيمي فالون، المعلق الأمريكي خصص فقرة كاملة من برنامجه الليلي الشهير «ذ تونايت شو» للتندر من «السطحية الفرنسية»، أما «جورج كلوني» فصرح قائلا: «وجب تخصيص فيلم كامل من سلسلة «أوشن» للحادثة، تبدو مناسبة تماما». أما الفرنسيون فقد أبدعوا على الـ»سوشيال ميديا»: «عرفوا اللصوص بقيمة الممتلكات، يا له من حظ أصبحوا مليارديرات في سبع دقائق»، «انظروا وجدناها على «فينتد» (موقع لبيع المقتنيات المستعملة)»، «كالعادة السارق إن لم يكن روسيا فالمؤكد أنه جزائري»، «يعني اللص انتظر أسبوعا كاملا ثم قرر السفر نحو الجزائر، ومن دون مجوهرات حتى!»، «على فكرة المجوهرات مسروقة بالأساس، إنها إعادة تدوير تاريخية، لا تنزعجوا»، «أجزم أن أرسان لوبين هو الفاعل»، شيء من تعليقات كثيرة ومثيرة.
«فورتنايت»
الهجرة العكسية – المفترضة – للصوص من فرنسا تبدو آخر اهتمامات الجزائريين، الذين بدت أولوياتهم أكثر اتساعا على مواقع التواصل الاجتماعية على الأقل. هكذا اكتشف الجزائريون بمحض الصدفة أن أحد المسؤولين التنفيذيين لـ»إيبيك غيمز»، إحدى أهم المؤسسات المتخصصة في الألعاب الإلكترونية: تيم سويني يبحث عن «واسطة» للتواصل مع مسؤول جزائري. السبب خلل في لعبة «فورتنايت» منع «الغايمرز» عن اللعب في الجزائر لأسبوعين كاملين، بعد شكوى أحد المؤثرين المتخصصين.
«تيم سويني لماذا تظن أن الأمر بهذه السهولة؟». «أكاد أجزم أن المسؤولين عن المؤسسات المختصة لا يعرفون حتى فورتنايت ولا غيرها»!
القضية سرعان ما تحولت لمادة لوسائل الإعلام الرقمية خارج البلد، في فرنسا مثلا التي تخصص كثر من وسائلها فقرات لإفريقيا أمكن مطالعة تعليقات شديدة العنصرية: «ماذا؟ يعرفون فورتنايت في الجزائر؟»، «توجد تغطية في الإنترنت في الصحراء؟»، غالبا ما تصحبها عواصف جدل بين المتفاعلين.
التحليلات السياسية الجاهزة لم تطل، أشار بعضها إلى منع محتمل للعبة في البلد خوفا من مد «جين زي»، في تجارب شبيهة بما حدث سابقا في بلدان عربية أخرى كالعراق منذ أشهر، احتمال سرعان ما فنده متفاعلون، ظلوا يواصلون استخدامها وغيرها دون اللجوء إلى تحايل على السيرفرات.
على سبيل «الهابي ايندينغ» لم تطل أزمة محترفي اللعبة في البلد بعد استجابة من وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، الذي غرد مؤكدا أن مصالحه ستتخذ جميع الإجراءات بما يكفل للجزائريين تجربة «مناسبة»، ثم يعلن أياما بعدها عن عودة الأمور إلى مجراها الطبيعي.
أضف تعليقك
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.
تعليقات
0