الباحث في المجتمع المدني يحي تيفاوي
شهدت المجتمعات البشرية في صيرورتها التاريخية و التراكمية، طفرات نوعية في تشكل وعي الإنسان و إدراكه بحقيقة وجوده على الكوكب الأزرق. شكلت المعرفة الوعاء الجمعي لثورات التغيير في أنماط التفكير و السلوك لدى لإنسان اتجاه أخيه الإنسان، و عدم السقوط في براثين الأنانية و استمالة هذه الأخيرة بحكمة العقل في التفاهم و التوافق مع بني جنسه، بالاحتكام لقوانين وتشريعات تنظمه، وتضبطه في كنف مجتمع التعاقدات بمدنيته كما تطرق اليه جون إهرنبيرغ في كتابه المجتمع المدني من اليونان حتى القرن العشرين باعتماده تعريف الفيلسوف الروماني "شيشرون" باعتباره " أكثر افردا ساعين إلى مصالحهم الشخصية... إنه مؤسسة طبيعية و التعبير السياسي عن هذه المؤسسة هو رابطة شاملة ينتمي إليها الأفراد، فأساس المجتمع المدني هو العدالة التي يشكلها الذي يفهم بوصفه الصالح العام. " كمنطلقات ومداخل لتجاوز الأزمات و المعضلات المجتمعية، نحو التقدم و الازدهار. ولعل من أبرز مفاتيح الحكمة و التوازن في إنتاج و إبداع العقل البشري موضوعة "المجتمع المدني". كغاية فرضت تسريع وثيرة الإفراز الموضوعي للتطور الذي عرفته الحضارات البشرية في مختلف المجالات المرتبطة بالإنسان وخاصة الديمقراطية والحريات العامة، و كظاهرة أثارة ولازالت جدلا في الأوساط السياسية و دوائر الفكر السياسي و الاجتماعي والاقتصادي، من حيث طبيعة المجتمع المدني و امتداده التاريخي ومرتكزات قيمه. وكذا مقوماته من زاوية تشريعية. مادامت شرعة عقل الإنسان و استنطاقا لتمظهراته وتجلياته و معايير القياس في تحققه لدى المجتمعات. وبكثير من الاجتهاد و التأويل العلميين توجد محاولات لوضع حدود معرفية تجعل موضوع المجتمع المدني في معناه ينسجم مع مقاصده وغاياته، كما أن الاهتمام و الشغف بهذا الموضوع يجد حضنه في سيادة تداوله و استعماله في أروقة الفكر المعاصر الغربي و العربي وتحوله من التداول الواسع في الخطاب الثقافي و السياسي و المدني المغربي الى المأسسة التشريعية مع مستجدات دستور 2011 و سؤال المجتمع المدني الى اين بعد انقضاء سنوات من مخاض الجهاز التشريعي؟ وهل تم بالفعل طرح مسألة الهوية المفاهيمية للمجتمع المدني المغربي عبر تحديد مدلولاته النظرية و العلمية. بما يلزم لرصد مكوناته المعرفية الغائية؟ ويستفز عقولنا اليوم بجدل اكثر حدة عند اقتران و ارتباط المجتمع المدني بمفاهيم يراهن عليها في تأطير مرتكزات الدولة الحديثة كالديمقراطية التشاركية و دولة الحق و القانون والشرعية الاجتماعية... كل هذا يجد منطلق الصياغة المفاهيمية للمجتمع المدني قياسا وتقاطعا للتجارب الدولية يدخل في خانة الإنتاج الفكري و إعادة الإنتاج الفكري بشكل متجدد، إدا ما أخدنا بعين التمحيص و التدقيق خاصيته التطورية في سياقاتها التاريخية بين الظهور والغياب تكرارا في الفكر السياسي و الاجتماعي و الاقتصادي والتباين بين التوظيف السياسي و إلباسه لبوس الشرعية من مجتمع لأخر في البناء المفاهيمي المركب للمجتمع المدني و علاقته بالجهاز التشريعي المؤسساتي كأحد مقومات الشرعية الإجتماعية، و في ظل غياب البناء المؤسس علميا لمبادئ الديمقراطية و قواعدها و آلياتها القانونية و التشريعية عن العلاقة بين السلطة السياسية و المجتمع المدني في المحيط العربي و المغاربي. و المسند لهدا الاعتقاد تمركز السلطة السياسية في مجتمعاتنا على أي مفردات و مفاهيم يتم تداولها في الأوساط الفكرية. بما في دلك التحكم في قنوات تصريفها المجتمعية سواءا بشكل معلن أو خفي أو مباشر أو غير مباشر، و من ثمة فإن حياة الفكر العربي و المغاربي المعاصر بقي رهين إعادة الإنتاج إدا ما أخدنا بعين الاعتبار. أن تمركز سيطرة المجتمع السياسي بدوره أدخل في عملية التبعية بأشكالها و مضامينها و الارتهان إلى المنظومة الاستعمارية مند الحقبة الاستعمارية. بتدخلها المباشر ثم اشكال الغزو الفكري الاستهلاكي للمثقف العربي والمغاربي بشكل غير مباشر، بجعله الأمر الواقع و المسلم به وبجعل أي مشروع مجتمعي تنموي شأنا سياسيا. و الذي يمارس بالسلطة مادامت هده الأخيرة هي القادرة على إصدار القرارات وإلزام الأخرين بتنفيذها ولو قسريا، وهدا ما يطرح سؤال أزمة السلطة السياسية في تعاطيها مع الركن الأخر المجتمع المدني في الحياة السياسية، في مستوى العلاقة و الارتباط و التفاعل لأجل تنمية مجتمعية حرة دون الارتهان إلى العوامل الخارجية وجعلها أولوية بإيجاد آليات قانونية لتيسير هده العلاقة بين المجتمع المدني و السلطة التشريعية. تحت إنشادا ملح بأن أضلاع مثلث فكري لا يمكن فصلهما عن بعض في أي محاولة للتطور الحضاري في زمننا وهي مصطلحات المجتمع المدني وحقوق الإنسان و الديموقراطية التشاركية.
أضف تعليقك
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.
تعليقات
0