تاريخ الأمم تصنعه الشعوب، وتاريخ الشعوب تصنعه الاحداث في تفاعل دياليكتيكي مع الافراد كاشخاص كانوا او داخل تكثلات اجتماعية. الافراد و الجماعات تلتف حول مبادئ و معتقدات و معايير يتفقون عليها بحكم التعايش و التراكمات. القبول بسمو القانون يقوي الإحساس بالانتماء لارادة و روابط مجتمعية تقيم اسبقية الصالح العام و تغدي الاستعداد للتضحية و تلبية نداء التجنيد و الدفاع عن حرمة الوطن و حماية استقلاله.
تلكم مقومات تكوين الشعوب، شموخها او اندثارها و تحديد خصوصياتها و ما يميزها عن الشعوب الأخرى.
الدول تسعى الى صياغة علاقات بينها في احترام للسيادة و تعمل على تنمية حسن الجوار و الابتعاد عن كل ما من شانه أن يقوِّض قواعد التوازن و ملازمات التعاون في المحيط الجهوي و الدولي.
لن يتاتى كل هذا في حيز محدد من الزمن أو مجال معيشي غير مؤطر أو منظومة معرفية و اخلاقية منغلقة غير متجانسة و رافضة للانفتاح و التفاعل.
انه مفهوم الحضارة في غناها و تجذرها، و تأصلها في كنهها عبر قوة و غنى الثقافة معتمدة الفرد لصياغة الهوية الوطنية الاحادية في نفس الوقت الذي تتقوى فيه من روافد متعددة تغني الموروث المادي و المعنوي للشعوب و من ثمة للأمم.
ان ما يشكل دافعا للتقارب مع جيران المملكة المغربية هو هذه المنظومة المتشعبة الجذور و الأطراف و التي تفسر في ذات الوقت تفسخ العنف عند حكامهم و كيل الود والاحترام بميزان الغطرسة و التجبر و الكيد.
لكل مولى و قبلة ومنظار يهدي و ينير طريقه، تتعلق بهم آماله كما اختياراته. و المغرب منذ سالف العهود و بحكم جغرافيته و تشكيلة ساكنته و إطار قوانينه و نسق مؤسساته كان دوما بلد الانفتاح وضمان ممارسة المعتقد و حرية التنقل و خلق المقاولة و ممارسة التجارة. أثرُ كل هذا موجود في هندسة عمرانه و المواثيق المؤسسة لعلاقاته و نمط عيش أهله.
لأكله و مشربه ولباسه ولغته خصوصياتها. و لتعابير فنه و اهازيج احتفالاته طقوسها و تميزها كما لجنده أعرافه و سُننُه التي يهابه بها أعداؤه و يحمي حدوده و ناسه. حروبه كما مشاركاته في استثبات السلم والأمن بين الشعوب و بين فئاتها و لا يألو جهدا لبذل النفس و النفيس في سبيل ذلك، يشهد له على التزاماته سجل حضارته المتجذرة في التاريخ .
في المقابل، عندما نولي وجهنا صوب المشرق أو تجاه الشمال نجد تشكيلات سياسية تؤطرها ما يطلق عليه عرفا بالدول لا تضمر الود لبلدنا المغرب و لا حتى لجوارها هي . و لا اظنني اخطئ حين اقول ان وجودها وتواجدها كما لو كان فقط ليكتب عنهم التاريخ و تشهد البشرية ميلهم نصب العدوان و تفتق فكر قادتهم لزرع الأحقاد و الشتات و الفتن و السوء و الإساءة.
لكن، و بعيدا عن هذه الرؤية و التحليل، لنرى ما يعلمنا التاريخ عن هاتين الدولتين.
في سنة 2015، أصدرت الحكومة الاسبانية قانونا يجيز لأحفاد اليهود الذين شملتهم فظاعة محاكم التفتيش منذ خمسة قرون مضت، إمكانية طلب الحصول على الجنسية الاسبانية. و قد بلغ عدد المتجنسين الجدد اكثر من 60000 مستفيد غالبيتهم من يهود دول امريكا اللاتينية.
و هي شبه القارة التي لها علاقات تاريخية خاصة مع المملكة الأسبانية لكونها صاحبت تواجد الاسبان فيها و استكشافاتهم بمسح منهجي للعادات و الأعراف و التقاليد المحلية و تعويضها بتمييز عرقي ممنهج و استنفاد للثروات. هذا الاستنفاد الذي حملته السفن الشراعية "الفاتحة" منذ كريستوف كولومب مقابل زرع خطاب ديني برعاية من بابا الكاثوليك و بيعة العرش الاسباني ناهيكم عن الامراض الفتاكة. اتحدى ايا كان يدلني عن مستعمرة من المستعمرات الأسبانية السابقة تكون استفادت من سياسات تصنيع او فتح طرقات و تطوير الممارسات الفلاحية او تدشين تجهيزات كبرى كالمواني و المدارس و معاهد التكوين ، لا شيء NADA.
جُلْ حيثما شئت في المغرب من طنجة و تطوان المدينتين التي خربهما الاسبان في أواسط القرن التاسع عشر الى اقصى الجنوب، مرورا بطرفاية و سيدي افني و كل الصحراء المغربية، فلن تجد اثرا لمعمار او ارث ثقافي اسباني مادي او معنوي.
في النقيض من هذا فتواجد المسلميين عربا و أمازيغ و اليهود في الاندلس لم يمر من غير إرث لازال الحاضر يشهد عليه. قصر غرناطة و مسجد الهيرالد و طرق الري و القلاع المتواجدة ليومنا هذا تبهر السياح و الزوار.
و بصراحة أكبر و أدق، ما هي اآثار الاسبان في المدينتين السليبتين سبتة و مليلية؟ لاشيء NADA لولا الماء و الكهرباء و الخضر و الفواكه و اللحوم الاتية من الناضور و تطوان و الاراضي المجاورة ستكون ظروف العيش للساكنة هناك اصعب مما يمكن تصوره. في المقابل ماذا ياتينا من تجار هذه المدينتين ؟ الأطنان من السلع المهربة و المخدرات المتدفقة من موانئ الجزيرة الخضراء و مالقة و طريفة. الاحتلال الاسباني يشمل أيضا جزرا تبعد بالكاد من السواحل المغربية ببضع عشرات الأمتار،لا ينبت فيها حب و لا زرع. و حتى الوازع الاستراتيجي الذي قد يكون أجاز في وقت بائد احتلالها بالنسبة للحكام الاسبان، اصبح اليوم متجاوزا لان الموجبات التي أسست لهذا التواجد و الاحتلال عن طريق الاستعمار و مرورا بسياسة المعسكرات الشيوعية و الليبرالية أصبحت في وقتنا هذا كلها متجاوزة و منبوذة من المجتمع الدولي.
لذا اجدني اسمح لنفسي بنعت جيراننا الاسبان بالعدوانيين الحقودين الكارهين المستعمرين و إلا كيف نفسر هدا العود للاحقاد الدفينة؟
ان يسلم أمن بيتك حين تحقق نهضة اقتصادية عبر مشاريع كبرى ستحد من الهيمنة الاسبانية على الملاحة و التجارة في غرب حوض البحر الأبيض المتوسط ببناء اثنين من أكبر المرافئ و تشيد شبكة من وسائل المواصلات اللوجيستيكية تعبر الساحل المغربي الأطلسي من شماله لجنوبه على طول الآلاف من الكيلومترات تنتهي بميناء في خليج الداخلة سيكون الأكبر و الأهم على طول الساحل الغربي الأطلسي لافريقيا. فمن الطبيعي إذن أن نعرة الحسد تشتعل من جديد و تؤدي بجيراننا ليس فقط الى استقبال مجرم حرب بل الى محاولة احياء ظغائن قديمة تمكن من وضع العقال في عجلة النمو و التطور الحاصل في المغرب.
و اظن جازما انه في اطار صياغةعلاقات طبيعية مع الجارة الشمالية يجب علينا أن نضع على طاولة المفاوضات كل الملفات و المواضيع المسكوت عنها بدءا بتعويضات المسلمين الموريسكيين الذي تركوا عقاراتهم و أموالهم و أهاليهم نازحين للمغرب حيث وجدوا سبل الانصهار في المجتمع المغربي من غير حيف و لا تفرقة لكن هذا لا ينفي ضرورة جبر الضرر على قياس ما فعلت الحكومة الاسبانية مع اليهود السيفاراد.
جيراننا الاسبان يقع على عاتقهم أيضا تعويضات أهالي تطوان و طنجة و العرائش على اثر تدمير مدنهم و قتل اهاليهم بالمدفعية الثقيلة.
وعليهم أيضا تنظيم محكمة التاريخ، على الأقل لتقديم الاعتذار الرسمي عن كل ما اذاقوه لاسلافنا من ويلات حرب و نهب للخيرات و تطبيق لغرامات الحرب.
على الحكام الاسبان الحاليين السير على خطى حكومتي فرنسا و المانيا و الاعتراف بجرائم الحرب التي اقترفوها في شمال المغرب و تقتيل ساكنة الريف و التكفل بعلاج الساكنة الحالية لهاته المناطق التي تعاني من امراض السرطان و العقم عند النساء و تشوه الأطفال، ناهيكم عن تسميم الفرشة المائية على اثر السموم التي فجروها بالقنابل في ذات المنطقة ابان حرب الريف في العشرينات من القرن الماضي...(يتبع).
أضف تعليقك
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.
تعليقات
0