ليلى جاسم تكتب: القانون الجديد للشيكات بالمغرب : نحو مقاربة أكثر إنسانية أم تهديد لقوة الشيك كضمان تجاري؟

ليلى جاسم تكتب: القانون الجديد للشيكات بالمغرب : نحو مقاربة أكثر إنسانية أم تهديد لقوة الشيك كضمان تجاري؟
23:59 السبت 11 أكتوبر 2025

 

بقلم: ليلى جاسم 

في خطوة تشريعية غير مسبوقة، صادق المجلس الحكومي، يوم الخميس، على مشروع القانون رقم 71.24 المتعلق بمدونة التجارة، والذي يُعدّ من أبرز النصوص القانونية التي من شأنها إعادة رسم ملامح التعامل المالي عبر الشيكات في المغرب.
القانون الجديد، الذي ينتظر صدوره في الجريدة الرسمية قبل دخوله حيز التنفيذ، يسعى إلى التوفيق بين حماية الضحايا من جهة، وضمان التوازن الاجتماعي والاقتصادي من جهة أخرى، عبر مقاربة أكثر مرونة في التعامل مع الشيكات بدون رصيد.

من بين أبرز المستجدات التي حملها المشروع، إلغاء الاعتقال في قضايا الشيكات التي تقل قيمتها عن 20 ألف درهم، في خطوة تهدف إلى تقليص عدد المتابعات القضائية التي أثقلت كاهل المحاكم المغربية خلال السنوات الأخيرة.
ويعتبر هذا الإجراء بمثابة تحول جوهري في فلسفة العقاب المالي، إذ لم يعد الهدف هو الزجر فقط، بل إتاحة الفرصة للمخالف لتسوية وضعيته قبل أن تطاله المسطرة القضائية،
القانون الجديد أقرّ مبدأ سقوط المتابعة الجنائية فور أداء قيمة الشيك، حيث سيتم الإفراج عن المعتقلين مباشرة بعد الأداء، كما تُلغى مذكرات البحث الصادرة في حق المتخلفين بمجرد التسوية المالية.
ويرى مراقبون أن هذا التعديل يُكرّس منطق “الأداء بدل العقاب”، ويمنح الدين طابعاً مدنياً خالصاً بدل الزجري، ما من شأنه أن يخفف الضغط عن السجون والمحاكم التجارية في آن واحد.

ومن أبرز النقاط المثيرة للجدل في النص الجديد، إلغاء تجريم الشيكات بدون رصيد بين الأزواج.
فالقانون يعتبر أن التعاملات المالية بين الزوجين تخضع للمسطرة المدنية فقط، وبالتالي لا يحق لأحد الطرفين تقديم شكاية جنحية ضد الآخر في حالة عدم الأداء.
ويرى بعض الفاعلين الحقوقيين في هذا الإجراء خطوة نحو حماية العلاقات الأسرية من الاستغلال القانوني، بينما يعتبره آخرون ثغرة محتملة قد تُستعمل للإفلات من المسؤولية المالية.

وبمقتضى هذا القانون، لم يعد الاعتقال الفوري خياراً أولياً بعد تقديم الشكاية.
فقد منح المشرع مهلة شهر كامل لصاحب الشيك لتسوية وضعيته المالية، مع إمكانية إخضاعه لـ السوار الإلكتروني كإجراء احترازي لتفادي الهروب.
كما يمكن للطرف المتضرر، وبمبادرة منه، أن يمنح مهلة إضافية شهرية لتسوية النزاع ودياً، في إطار ما يسمى بـ“العدالة التصالحية الاقتصادية”.

ورغم الترحيب الواسع الذي لقيه النص الجديد من قبل فاعلين اقتصاديين وحقوقيين، فإن هناك تخوفات متزايدة من أن تؤدي هذه التعديلات إلى إضعاف مكانة الشيك كوسيلة أداء مضمونة، خصوصاً في المعاملات التجارية التي تعتمد على الثقة والالتزام.
ويرى خبراء أن نجاح هذا القانون رهين بـ تفعيل آليات الرقابة البنكية والضمانات المدنية، حتى لا يتحول “الشيك” إلى وثيقة فاقدة للمصداقية في السوق الوطنية.

في النهاية، يُجسد مشروع القانون رقم 71.24 تحولاً نوعياً في السياسة التشريعية المغربية، من خلال اعتماد مقاربة أكثر توازناً بين الردع والمرونة، تضع في الاعتبار البعد الإنساني والاجتماعي دون المساس بالمصداقية المالية.
وبين من يراه خطوة نحو “عدالة اقتصادية تصالحية” ومن يخشى تآكل الثقة في الشيك كضمان تجاري، يبقى المؤكد أن هذا القانون سيفتح نقاشاً وطنياً واسعاً حول مستقبل المعاملات المالية في المغرب.

أضف تعليقك

‫‫من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم‬.

‫تعليقات

0
صوت وصورة
الأربعاء 06 غشث 2025 - 15:31

صوت وصورة
الأربعاء 06 غشث 2025 - 15:28

صوت وصورة
الأربعاء 06 غشث 2025 - 13:15

صوت وصورة
الأربعاء 06 غشث 2025 - 13:14

صوت وصورة
الخميس 12 شتنبر 2024 - 12:37

صوت وصورة
الخميس 12 شتنبر 2024 - 12:35